تعرّضت منظومة التمويل العقاري في مصر لأزمة أخيرا أدت إلى تراجع حجم
السيولة المتاحة للتمويل العقاري الموجّه إلى شراء وحدات سكنية جديدة بعد
ثورة 25 يناير التي أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك.
وأبدت الجهات المانحة للتمويل العقاري مخاوفها من أن تتعرض المشروعات السكنية التي تحظى بالتمويل لأزمات قانونية بعد الثورة تؤدي إلى سحب الأراضي الممنوحة لها كما حدث مع بعض المشروعات بالفعل.
في نفس الوقت طالب خبراء بتعديل شروط الإقراض ومنح التمويل للشقق
السكنية ؛ لتصبح هذه الشروط في متناول الفقراء ومحدودي الدخل، خاصة مع
عدم إقبال المواطنين المصريين على التقدم للحصول على قروض لشراء وحدات سكنية لأسباب منها ارتفاع أسعار الفوائد على هذه القروض والشروط
الصعبة للحصول عليها.
وهو ما تؤكده، رئيس صندوق دعم وضمان التمويل العقاري في مصر مي
عبدالحميد ، حيث تقول: "إن حجم التمويل العقاري في مصر تراجع بنسبة
كبيرة بعد ثورة 25 يناير التي أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني
مبارك؛ بسبب تخوف الجهات المانحة للتمويل من منح تمويل لوحدات سكنية
ضمن مشروعات قد تتعرض لمشكلات قانونية، خاصة بعد صدور أحكام
قضائية بسحب الأراضي التي سبق تخصيصها لمشروعات سكنية متعددة،
بالإضافة إلى أن تخوف الشركات من زيادة نسبة التعثر أيضا جعل هذه
الشركات تمسك يدها في عملية التمويل، كما أن المواطنين المصريين لا يُقبلون
على التمويل العقاري؛ بسبب صعوبة الإقراض وسعر الفائدة المرتفعة".
وأضافت مي: "إن نمو شركات التمويل العقاري خلال عام 2011 تراجع بنسبة كبيرة بسبب الأحداث التي مرت بها البلاد خلال وبعد ثورة 25 يناير؛ لأن عمل هذه الشركات توقف ما يقرب من 70 يومًا، بالإضافة إلى مشكلات التحصيل التي واجهت أغلب شركات التمويل العقاري خلال الفترة الأخيرة.
تمويل عالي المخاطر أما إيمان إسماعيل، العضو المنتدب للشركة المصرية
لإعادة التمويل العقاري، فقالت: "إن معدلات التمويل الممنوحة للعملاء
محدودي الدخل منخفضة جداً، معللة ذلك بتجنب شركات التمويل العقاري
التوسع في عمليات التمويل في هذه الفترة التي تشهد ارتفاعًا للمخاطر،
بالإضافة إلى مشكلات تحصيل أقساط الديون، مضيفة أن السبب الرئيسى
لفشل نظام التمويل العقاري يرجع إلى أن 50% من العقارات في مصر
موجودة في مناطق عشوائية".
وعن قيام بعض الشركات بزيادة الفائدة على التمويل العقاري بنسبة ربع في المائة بالرغم من حالة الركود، أشارت إلى أن شركتها قامت بزيادة هذه النسبة في فبراير الماضي بسبب الظروف السياسية التي تمر بها البلاد.
وكشفت إيمان عن أن مسؤولي التمويل العقاري طلبوا الاجتماع مع وزارة الإسكان لدراسة إمكانية المشاركة في مشروع المليون وحدة سكنية المقرر البدء فيها أوائل العام المقبل، وبحث إمكانية تخصيص نسبة من وحدات هذا المشروع للتملك عبر آليات التمويل العقاري؛ لتنشيط السوق التي تعاني شبه توقف بعد الثورة، موضحة أن شركات التمويل ستحدد كيفية مشاركتها في مشروع إنشاء المليون وحدة سكنية بعد إفصاح وزارة الإسكان المصرية عن قيمة الوحدة ومدة تقسيط ثمن الوحدات للمواطنين وحجم الدعم المخصص لهذا المشروع؛ لضمان تحقيق عائد من عمليات التمويل المتوقع تقديمها خلال الأعوام المقبلة.
سعر الفائدةأما د.أحمد أنيس، رئيس جمعية التقييم العقاري، فيؤكد أن التمويل العقاري في مصر يواجه عقبات في مقدمتها ارتفاع سعر الفائدة على الإقراض, وارتفاع أسعار العقارات في مصر بشكل لا يتناسب مع متوسط الدخول لغالبية المواطنين المصريين, مطالبا بضرورة تقسيم التمويل إلى شرائح وإيجاد ما يعرف بالتمويل العقاري متناهي الصغر.
وأشار أنيس إلى أن عدد الراغبين في الحصول على تمويل عقاري لشراء
وحدات سكنية انخفض بنسبة 60% تقريبا؛ بسبب حالة عدم الاستقرار التي
تشهدها السوق العقارية المصرية عقب ثورة 25 يناير، موضحا أن شركات
التمويل العقاري همها الأول الآن هو التأكد من قدرة العملاء على سداد الأقساط
الشهرية المطلوبة، وأن المتقدمين للحصول على تمويل عقاري ينتمون
للشريحة الاجتماعية فوق المتوسطة، بينما لا يوجد إقبال من متوسطي أو
محدودي الدخل.
من جانبه يقول أبوالحسن نصار -المهندس الاستشاري والمحكم الدولي في مجال العقود ومساعد رئيس الاتحاد العربي للتمويل والتقييم للأصول العقارية، إنه بالرغم من أن طلبات شراء وحدات عن طريق التمويل العقاري تراجعت خلال الفترة التي تبعت الثورة المصرية، ولكن حدثت زيادة في حركة الطلب على المساكن خلال الشهرين الماضيين، متوقعا زيادتها مع عودة الهدوء واستقرار الأوضاع في مصر، مؤكدا أن الطلب على السكن في مصر لا ينتهي، فالسكن في مصر احتياج دائم مثله مثل الطعام والشراب - على حد قوله، وطالب نصار بأن يتم تمويل نظام التمويل بعد الثورة للفقراء، وأن تتناسب شروط التمويل العقاري مع الفقراء ومحدودي الدخل.
البدائل محدودةلكن مع ذلك فالشباب المصريون غير قادرين على الاستفادة من
التمويل العقاري حتى الآن، فإبراهيم خليل، وهو شاب في الثلاثينات، قال إنه
توجّه إلى إحدى الشركات المتخصصة في التمويل العقاري للحصول على
تمويل لشراء وحدة سكنية ولكنه وجد شروط التمويل صعبة؛ لأن مرتب من
يحصل على تمويل عقاري ينبغي أن تصل إلى 3000 جنيه مصري شهريا
(الدولار الأمريكي يساوي 5.95 جنيه مصري تقريبا)، وتساءل: هل هناك شاب
في بداية حياته يصل دخله إلى 3 آلاف جنيه مصري؟!، وأضاف خليل أنه من
وجهة نظره فإن منظومة التمويل العقاري في مصر فاشلة ولابد من تعديلها؛
لأنها من المفروض أنها تخدم البسطاء وليس الأغنياء.
وهو ما يتفق معه كريم سعيد –مهندس شاب– الذي يؤكد أنه يبحث عن شقة للزواج بها منذ عامين، وذهب إلى جميع شركات التمويل العقاري إلا أنه وجد أن شروط جميع هذه الشركات صعبة جدا، وأن الفائدة التي تفرضها مرتفعة، بالإضافة إلى الحظر على التصرف في الوحدة السكنية.
كان تقرير أخير لهيئة الرقابة المالية قد أظهر تراجع الأرصدة المخصصة للتمويل العقاري لدى شركات التمويل خلال الربع الأول من العام الجاري، وكشفت الهيئة في تقريرها عن أن الأرصدة تراجعت 19 مليون جنيه إلى مليار و778 مليون جنيه نهاية مارس الماضي مقابل مليار و797 مليون جنيه نهاية ديسمبر الماضي.